جلس مقابل والده صغيراً بلمعة في عينيه، وحماساً في صدره لأجل هذا النوع من التعلم، بدأ والده بتعليمه الغناء على طريقة الحوماني، تمرن عدة مرات، حتى أجاد، وصار ينتقل بين أنواع الغناء المختلفة، كان مروره مطولاً عند سلامة حجازي، وأبي العلا محمد.. تربى زكي ناصيف على التراتيل الدينية السريانية وكان لها دور مهم في إتقان تأليفه ألحانه المتفردة، والجامعة بين أشكال مختلفة من الموسيقى الكلاسيكية الكبيرة والخفيفة.. لم يشطح كثيراً خارج الحدود، قال فيكتور سجاب:
برّر -زكي ناصيف- التزام جملته الموسيقية في الاغاني الشعبية والتراثية حدود أربع أو خمس درجات موسيقية ولا تصل الى السابعة في السلم الموسيقي، بأنّ الجملة الموسيقية التراثية مستقاة من تقليد المغنين للآلة الموسيقية التي يعزفون عليها في قرانا، أي المجوز أو الربابة. فالمجوز لا يؤدي اكثر من ثلاث أو أربع درجات موسيقية، والربابة أوسع قليلاً، لذلك كل الحان الغناء الريفي من ميجانا وعتابا ومعنّى وغيرها لا تتجاوز الدرجات الخمس.
غنى وشاع غناؤه المتجذر بالتراث حتى حين غنى لأرق الأشياء، فقد نثر الورد لأجل حبيبته، على مسامع جمهوره حين سائل العاشقة للورد عن الموعد، قائلاً:
يا عاشقة الورد إن كنتِ على وعدي
فحبيبك منتظرٌ يا عاشقة الورد
بين لها انتظاره كملهوف لورد خديها حتى حين أنهى نجواه وسرد أسراره قال : فحبيبك لايهوى إلا ورد الخدّ!
لم يكتفي ناصيف بهذه القصيدة كسيمفونية للورد، بل تغنى بزهرة الزنبق، الزهرة التي يحبها الشعراء بشكل مخصوص أكثر من غيرها في مونولوج دار بينه وبين فراشة:
نقيلي أحلى زهرة يافراشة نقيلي،
زهرة تلبق للشقرا على شعرا تشكيلي !
نقيها حلوة أحلى من ضحكة أطفال
وخلي الزنبق يصرخلا من قلبه موال
هذه الأغنية تحديداً، أستدعاها المايسترو “جمال أبو حسن” في أحد ليالي الأوركسترا، ليعزفها سيمفونية يخلد بها ذكرى زكي ناصيف، وموسيقاه الجميلة الراقصة.
التعليقات مغلقة.